أداء الاقتصاد البلجيكي عام 2023 والتوقعات الاقتصادية لعام 2024
مقدمة
لم يتجاوز نمو الاقتصاد العالمي 3.1% عام 2023، مقارنة بـ 3.5% في العام السابق. ويعود هذا التباطؤ إلى ارتفاع أسعار الفائدة الذي قرره العديد من البنوك المركزية من أجل السيطرة على التضخم، وإلى التوترات الجيوسياسية المستمرة. ومن المتوقع أن يتجاوز النمو العالمي 3% بقليل عام 2024. وهذا أقل بكثير مما تم تسجيله في العقود الأخيرة.
وعلى الرغم من الزيادات الحادة التي أقرها بنك الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، فقد أثبت الاقتصاد الأمريكي مرونته، حيث حفز قانون الحد من التضخم عام 2022 الاستثمار، ولجأ المستهلكون الأمريكيون إلى المدخرات المتراكمة خلال أزمة كوڤيد. أما في الصين، فقد تبين أن الانتعاش الذي تلى التخلي عن سياسة "صفر كوڤيد" كان أضعف من المتوقع، إذ أثر القلق في قطاع العقارات على الاستثمارات وعلى ثقة المستهلكين.
الاقتصاد الأوروبي في مسار حرج
استمر ركود النشاط في منطقة اليورو حتى نهاية عام 2023، وسجلت المنطقة معدل نمو ضعيف بلغ 0.5% مقارنة بعام 2022 ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى عواقب ارتفاع التضخم وتراجع القوة الشرائية والسياسة النقدية المتشددة، مما أدى إلى تباطؤ كبير في مكونات الطلب المحلي (الاستهلاك الخاص، والاستهلاك العام، والإنفاق الحكومي، والاستثمار). بالإضافة إلى ذلك، كان مناخ الاستثمار غير مناسب في القطاع الصناعي، لأن ارتفاع أسعار الفائدة يؤدي إلى زيادة تكاليف التمويل، كما بقيت أسعار الغاز الطبيعي في القارة الأوروبية أعلى بكثير من نظيرتها في الولايات المتحدة، مما أعاق الصناعات ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة.
وحققت الدول الأعضاء نتائج متناقضة تمامًا، فقد شهدت ألمانيا - أكبر اقتصاد في منطقة اليورو - في الربع الأخير من عام 2023 انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3٪، مما يؤكد ضعف وضعها على الساحة الاقتصادية الأوروبية بسبب معاناة قطاع الصناعة الذي كان الأكثر تأثرًا بالتحول الاقتصادي في المنطقة والذي يتميز بأهمية بالغة في الاقتصاد الألماني، بينما سجلت إسبانيا أفضل النتائج مع نمو بنسبة 0.6% خلال الربع الرابع، حيث يتميز الاقتصاد الإسباني بالإنفاق الاستهلاكي الخاص والعام الذي ظل ديناميكيًا عام 2023.
وبعد أزمة الطاقة عام 2022، شهدت أسواق الطاقة في أوروبا تطورات متباينة عام 2023، واستمرت أسعار الغاز في الانخفاض، على الرغم من الانتعاش المؤقت في الخريف بسبب المخاوف من اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط. ويُعزى انخفاض أسعار الغاز بشكل أساسي إلى انخفاض الاستهلاك في الاتحاد الأوروبي (-8% عام 2023، -14% عام 2022) وتنويع مصادر الإمداد.
ومن ناحية أخرى، بقيت أسعار النفط عموماً في نطاق 70-90 دولاراً للبرميل. وعلى الرغم من الاضطرابات الأخيرة في البحر الأحمر، فقد تم احتواء سعر الذهب الأسود من خلال الإنتاج القياسي في الولايات المتحدة، والذي تجاوز 20 مليون برميل يوميا، وبفضل تراجع النمو الاقتصادي العالمي.
وأدى تراجع أسعار الطاقة إلى انخفاض معدل التضخم إلى ما دون 3% منذ شهر تشرين الأول / أكتوبر 2023، ومن المنتظر أن يقترب المعدل من 2% عام 2024.
نمو اقتصادي ضعيف 0.5 % عام 2023
نتائج اقتصادية متناقضة بين الدول الأعضاء
تراجع النشاطات في القطاع الصناعي الأوروبي
ومن المتوقع أن تسجل المنطقة نموا اقتصاديا ضعيفا بمعدل 0.8% عام 2024 لا سيما في ظل الافتقار إلى الديناميكية في النصف الأول من العام الحالي، وذلك نتيجة الثقل الذي تفرضه أسعار الفائدة المرتفعة على القدرات التمويلية للأسر والشركات. ويشكل الانخفاض الكبير في معدل التضخم في منطقة اليورو علامة مشجعة لأنه يعزز فكرة تخفيف السياسة النقدية في المستقبل، كما أنه يعني ضمناً اللحاق بركب الأجور الحقيقية التي من شأنها أن تدعم الطلب المحلي. ومع ذلك، لا تزال المخاطر السلبية على النشاط قائمة، لا سيما تلك المتعلقة بإنهاء تدابير مساعدات الطاقة بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية المستمرة والتصعيد المحتمل للصراع في الشرق الأوسط الذي يعيق حاليًا الشحن البحري في البحر الأحمر مما يؤدي إلى تمديد فترات التسليم وزيادة في تكاليف النقل.
الاقتصاد البلجيكي ينتعش بقوة
في عام 2023 دعم الاستهلاك الخاص واستثمار الشركات نمو الناتج المحلي الإجمالي البلجيكي وبلغ معدل النمو 1.5%، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.4% في عام 2024، وهو ما يمثل تقدمًا ملحوظًا مقارنة بمنطقة اليورو (0.5% و0.8%) على التوالي. فعلى الرغم من الأزمات المتتالية التي مر بها الاقتصاد البلجيكي (الأزمة الصحية، أزمة الطاقة...إلخ) كان أداؤه جيدا عام 2023 مقارنة بجيرانه، ومن المتوقع أن يستمر في تحقيق نمو إيجابي في السنوات القادمة. غير أن ما يثير القلق هو تراجع قطاع الصناعة خاصة في المنطقة الفلمنكية، وأكثر من ذلك وضع المالية العامة التي تعاني كثيرا، وقد تكون من بين المواضيع الهامة التي سيتم النقاش حولها أثناء تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخابات شهر يونيو / حزيران القادم، إذ قد تضطر الحكومة المقبلة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية في المستقبل القريب..
انخفاض معدل التضخم
بعد أن كان معدل التضخم مرتفعا جدا عام 2022 حيث بلغ 9.6%، تراجع بشكل ملموس عام 2023 وبلغ 2.3%، حتى أنه أصبح سلبيًا لفترة وجيزة خلال فصل الخريف، إذ انخفضت أسعار الطاقة إلى حد كبير. وعلى الرغم من تجدد التوترات الجيوسياسية، بقيت أسعار النفط مستقرة نسبيا في الأشهر الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، أدت المخزونات الكبيرة من الغاز الطبيعي والطقس الجيد نسبيًا والإمدادات المنتظمة من الغاز الطبيعي المسال إلى القارة الأوروبية إلى مزيد من الانخفاض في أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء. ومن المتوقع أن يرتفع التضخم بشكل مؤقت عام 2024 بسبب إلغاء إجراءات دعم الطاقة ليبلغ حوالي 3.5%.
أهم مؤشرات الاقتصاد البلجيكي
تزايد العجز في الموازنة العامة
من المتوقع أن يصل العجز العام إلى 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2023 و2024. وفي ظل غياب تدابير جديدة لضبط الموازنة قد يتسع العجز تدريجياً ليصل إلى 5.6% عام 2029، وبذلك سيتبع مسارا تصاعديا لا يمكن تحمله على المدى الطويل. ويرجع ذلك أساساً إلى زيادة الإنفاق على المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية، وارتفاع معدل الفائدة على الديون.
ومن جهة أخرى، من المراقب أن يرتفع الدين العام من 106% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024 إلى 117% في عام 2029. وأن يستقر الإنفاق العام - الذي ما يزال مرتفعا - عام 2026 عند مستوى 53% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو المستوى الذي كان عليه سنة 2010.
الاستهلاك
ازداد معدل الاستهلاك الخاص بنسبة 1.4% بدعم من آلية زيادة الرواتب المرتبطة بمؤشر الأسعار والتي وفرت قوة شرائية إضافية للمستهلكين، ومن المتوقع أن يزداد بنسبة 1.8% عام 2024. وسيبقى الاستهلاك المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي على المدى الطويل. أما الاستهلاك العام فقد زاد زيادة طفيفة بنسبة 0.4%، بعد أن شهد تقلبات كبيرة إلى حد ما بسبب أزمتي الصحة والطاقة خلال الفترة 2020-2023، وسيستقر نمو الاستهلاك العام عند مستوى 1% سنويا، خلال الفترة 2024-2029.
الاستثمار
ازدادت الاستثمارات العامة بنسبة 2.4% ، بينما كانت معدلات نمو استثمار الشركات جديرة بالملاحظة منذ عام 2022، وازدادت بنسبة 9% عام 2023 وهي أكبر نسبة نمو منذ عام 2004، على الرغم من الارتفاع الحاد في التكاليف وأسعار الفائدة وضعف معدل استغلال القدرات الصناعية نسبيا. واستهدفت هذه الاستثمارات بشكل أساسي أتمتة خطوط الإنتاج ورقمنتها وجعلها أكثر حفظا للبيئة. ومن ناحية أخرى، بلغت هوامش ربح الشركات مستوى مرتفع تاريخيا عام 2022، مما يوفر للشركات احتياطيات نقدية كبيرة وإمكانيات للتمويل الذاتي. يضاف إلى ذلك استفادتها من دعم خطط الإنعاش المختلفة. ومن المتوقع أن يزداد استثمار الشركات بنسبة 3.6% عام 2024، وأن يتباطأ بشكل طفيف في السنوات المقبلة، لكنه سيظل إيجابيا إلى حد كبير.
وعلى العكس من ذلك، أدى ارتفاع معدلات الرهن العقاري وارتفاع تكلفة مواد البناء إلى انخفاض حاد في الاستثمار في قطاع السكن عامي 2022 و2023 بنسبة 8٪. ويرى الأخصائيون أن هذا التراجع قد يستمر لبعض الوقت، بالرغم من الحاجة إلى استثمارات كبيرة نظرا لضرورة التحول التدريجي الإجباري في قطاع السكن البلجيكي لمواجهة التغيرات المناخية.
سوق العمل
بلغ معدل البطالة 5.5% عام 2023 وهو معدل منخفض تاريخيا، وقد يرتفع إلى 5.6% عام 2026. واستمرت ديناميكية سوق العمل عام 2023، بالرغم من أن زيادة العمالة كانت أقل من العام السابق حيث تم توفير 41600 وظيفة جديدة (+0.8٪) مقارنة بـ 198000 خلال عامي 2021-2022. وستشهد بلجيكا توفير حوالي 33000 وظيفة عام 2024 و32000 في المتوسط خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ومن الجدير بالملاحظة أن عدد السكان النشطون شهد زيادة كبيرة خلال الفترة 2021-2023 بلغت نحو 230 ألف نسمة، وذلك للعوامل التالية: الزيادة الهيكلية في المشاركة في سوق العمل للفئات العمرية في التعليم العالي، الزيادة الحادة في تشغيل الطلاب، والدفعة الديموغرافية الناتجة عن التدفق الكبير للاجئين الأوكرانيين مؤخرًا.
ومن ناحية أخرى، هناك شواغر في بعض الوظائف التي لا تجد مرشحين في سوق العمل مثل المهندسين والممرضين والعمال المؤهلين في قطاع البناء، إلخ...
التجارة الخارجية
أما على صعيد التجارة الخارجية فقد أثر تباطؤ نمو التجارة العالمية بشكل خاص على نشاط الصناعة البلجيكية حيث كان الطلب الخارجي ضعيفا للغاية عام 2023 وتقلص حجم الواردات الإجمالية بنسبة (-13.2%) بينما تراجعت الصادرات الإجمالية بنسبة (-12.3%)، ولكن من المتوقع أن تنتعش اعتبارا من ربيع عام 2024، غير أن المصدرين البلجيكيين لن يستفيدوا من ذلك بشكل كامل بسبب ضعف القدرة التنافسية لسلعهم لارتفاع تكلفة الإنتاج المرتبطة بكلفة الأجور في بلجيكا والتي تتجاوز الكلفة لدى جيرانها، مما قد يؤدي إلى خسارة حصة أكبر من المعتاد في السوق.
الصادرات البلجيكية الرئيسية:
- المنتجات الكيميائية
- المنتجات المعدنية
- معدات النقلالواردات البلجيكية الرئيسية:
- المنتجات الكيميائية
- المنتجات المعدنية
- ا لآلات والأجهزة
وقد بلغ إجمالي الصادرات البلجيكية للسلع من العالم عام 2023 ما قيمته 522.5 مليار يورو، بينما بلغت قيمة الواردات البلجيكية الإجمالية من العالم 507 مليار يورو. وأهم الشركاء التجاريون لبلجيكا هم جيرانها، حيث استوردت المانيا وفرنسا وهولندا 41.4% من الصادرات البلجيكية، وبلغت نسبة صادرات هذه البلدان 45.2% من الواردات البلجيكية الإجمالية. وحقق الميزان التجاري البلجيكي رصيدا إيجابيا قدره 15.5 مليار يورو.
الصادرات الرئيسية: احتلت المنتجات الكيميائية عام 2023 المرتبة الأولى بين الصادرات البلجيكية للسلع بنسبة 26.1%، وجاءت في المرتبة الثانية المنتجات المعدنية بنسبة 13.1% وتلتها في المرتبة الثالثة معدات النقل بنسبة 11.6.
الواردات الرئيسية: احتلت المنتجات الكيميائية أيضا المرتبة الأولى بين الواردات البلجيكية للسلع بنسبة 24.1%، وتلتها المنتجات المعدنية بنسبة 17.4%، وجاءت في المرتبة الثالثة الآلات والأجهزة بنسبة 13.2%.
المبادلات التجارية بين بلجيكا والبلاد العربية عام 2023:
أهم المصدرين العرب إلى بلجيكا:
- المملكة العربية السعودية
- قطر
- الإمارات العربية المتحدة
- الجزائر
- المغربأهم المستوردين العرب من بلجيكا:
- الإمارات العربية المتحدة
- المملكة العربية السعودية
- مصر
- المغرب
- الجزائر
لا شك أن ركود التجارة العالمية أثر على المبادلات التجارية بين بلجيكا والبلاد العربية عام 2023. فقد تراجعت قيمة الصادرات البلجيكية إلى العالم العربي من 15.7 مليار يورو عام 2022 إلى 14.2 مليار يورو عام 2023 أي بنسبة -9.4%، وقد مثلت 2.72% من الصادرات البلجيكية الإجمالية، بينما تراجعت الواردات البلجيكية من البلاد العربية بشكل كبير من 16.4 مليار يورو عام 2022 إلى 12.63 مليار يورو عام 2023 أي بنسبة 22.9%، وقد مثلت ما نسبته 2.5% من الواردات البلجيكية الإجمالية.
وتستورد بلجيكا بشكل أساسي من 3 بلدان عربية: المملكة العربية السعودية (24.8%)، ثم قطر (22.6%) والجزائر (14.8%) والمغرب (6.6%)، تليها الإمارات العربية المتحدة (17%). بينما تتجه الصادرات البلجيكية إلى العالم العربي في المرتبة الأولى إلى الإمارات العربية المتحدة (30.6%)، تليها المملكة العربية السعودية (18.7%)، ثم مصر(11.9%) والمغرب (9%) والجزائر (6%). ومن الملاحظ أن رصيد الميزان التجاري بين البلدان العربية وبلجيكا بلغ 1.6 مليار يورو لصالح بلجيكا سنة 2023.
وتمثل المنتجات المعدنية أكثر من نصف الواردات البلجيكية من العالم العربي حيث بلغت نسبتها 57.9% من الواردات البلجيكية، تليها المنتجات الكيماوية بنسبة 12.4%، في حين تحتل المنتجات الكيماوية المرتبة الأولى بين الصادرات البلجيكية إلى العالم العربي بنسبة 28.6% من الصادرات البلجيكية، تليها الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة بنسبة 16.5%.
الصادرات البلجيكية الإجمالية إلى العالم 2022-2023
الواردات البلجيكية الإجمالية من العالم 2022-2023
المبادلات التجارية بين بلجيكا والعالم العربي حسب البلد 2022-2023
المبادلات التجارية بين بلجيكا والعالم العربي حسب السلع 2022-2023
Chambre de Commerce Belgique-Luxembourg-Pays arabes
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.