أداء الاقتصاد البلجيكي عام 2022 وتوقعات عام 2023
حجم المبادلات التجارية العربية البلجيكية يتجاوز 32 مليار يورو
مقدمة:
اتسم العام الماضي في المقام الأول بعدلات تضخم قياسية في معظم أنحاء العالم، ويعود ذلك إلى تضافر عدة عوامل، حيث واجه الاقتصاد العالمي عام 2022 رياحًا عاصفة بسبب الحرب في أوكرانيا من جهة، والتأثيرات السلبية لسياسة صفر كوڤيد على الاقتصاد الصيني من جهة أخرى. وقد أدى التضخم إلى تباطؤ النشاطات الاقتصادية على المستوى العالمي وإلى تراجع حاد في معدلات النمو الاقتصادي.
فعلى سبيل المثال سجلت الولايات المتحدة نموا سنويا ضعيفا نسبيًا عام 2022، على الرغم من أنها لا تعتمد على واردات الغاز وبالتالي فهي أقل تأثراً بصدمة أسعار الطاقة، كما تباطأ النمو في الصين بينما سجل الاقتصاد الروسي انكماشا بسبب العقوبات وانسحاب بعض الشركات الغربية الكبرى من روسيا. غير أنه وفقا للتحليلات الاقتصادية الحالية سيظل التباطؤ العالمي محدودًا من حيث مدته وحجمه.
الاقتصاد الأوروبي:
بلغ معدل التضخم في منطقة اليورو 8.4% عام 2022، وهو معدل أعلى بكثير مما هدف إليه البنك المركزي الأوروبي، ويعود ذلك بسبب رئيسي إلى ارتفاع أسعار الغاز، حيث أن اعتماد الاقتصاد الأوروبي بشكل كبير على روسيا أدى إلى مخاوف من النقص في إمدادات الطاقة، مما أسفر عن ارتفاع كبير في أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا تلاه ارتفاع أسعار الكهرباء في صيف عام 2022.
وسرعان ما ساد التضخم على مجموعة واسعة جدًا من السلع والخدمات. وبالطبع تأثرت القوة الشرائية لدى المستهلكين، وواجهت الشركات ارتفاع حاد في تكاليف الإنتاج. إلى جانب ذلك اضطر البنك المركزي الأوروبي إلى تشديد سياسته النقدية من أجل كبح التضخم، وقد أدى ذلك إلى رفع أسعار الفائدة.
وبالرغم من ذلك ثبت اقتصاد منطقة اليورو، وذلك بفضل الأداء الجيد لسوق العمل على وجه الخصوص. حتى أن معدلات النمو كانت أعلى بكثير من المتوقع في النصف الأول من العام، فقد استمر النمو بفضل تأثير عودة الانتعاش بشكل ملحوظ بعد أزمة كورونا مما عزز الاستهلاك الخاص. ولقد صمد النشاط الصناعي جيدًا بالرغم من ارتفاع التكاليف. ولكن في النصف الثاني من عام 2022، أخذ الاقتصاد الأوروبي في التباطؤ تدريجيا، غير أن عدة عوامل ساعدت على تجنب الركود، وهي ذاتها قد تسمح للنمو الاقتصادي بالتحسن شيئا فشيئا خلال عام 2023. فقد تراجعت أسعار الطاقة فيما بعد بشكل كبير، وتم توفير بدائل للغاز الروسي واستمر التحسن بعد أزمة كوڤيد. كما تم دعم الإنفاق الخاص من خلال التحسن الذي طرأ على مستوى التوظيف والتدابير التي اتخذتها السلطات العامة لخفض فاتورة الطاقة للمستهلكين.
وبالرغم من ذلك، لا يُتوقع أن يتجاوز النمو الاقتصادي في منطقة اليورو 1% عام 2023، بعد أن بلغ 3.5% عام 2022. وبالطبع تحيط الشكوك بهذه التوقعات بسبب عدم إمكانية التكهن بتطورات الحرب في أوكرانيا، وبمدى انتعاش الاقتصاد الصيني وبمستوى التضخم.
الاقتصاد البلجيكي
2022 تباطأ النمو وتفاقمت المخاطر
فقد الاقتصاد البلجيكي، كغيره من اقتصادات منطقة اليورو، زخمه خلال العام، وتباطأ إلى حد كبير في النصف الثاني من 2022، لكنه لم يدخل في حالة ركود. فإن كانت أزمة الطاقة وما نتج عنها من تراجع في الدخل في ذلك العام مماثلة لأزمة النفط في السبعينيات، فإنّ رد فعل الاقتصاد كان مختلفا تمامًا، حيث تمّ استحداث أكثر من 100.000 وظيفة جديدة، وبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.1%، وقد بقي قطاع الخدمات المحرك الرئيسي للنمو، بينما عانت الصناعة من ارتفاع أسعار الطاقة.
ويعود الفضل لهذه النتيجة الجيدة وارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلى نتائج النصف الأول من العام، حيث كان النشاط الاقتصادي ديناميكيًا جدا بفضل الانتعاش الاقتصادي الذي تحقق بعد الأزمة الصحية كما في معظم البلاد الأوروبية، وبفضل النمو القوي في النشاطات الاقتصادية في العام السابق بنسبة +6.1٪. إلى جانب الاستهلاك الخاص الذي دعم النمو بشكل رئيسي.
ومن جهة أخرى، بلغ معدل التضخم 9.6% عام 2022 وهو أعلى مستوى له منذ السبعينيات، ولولا الإجراءات الحكومية للحد منه لتجاوز ذلك، ولا شك أن لنظام الزيادة الآلية للأجور دور أساسي في عدم انهيار القوة الشرائية للأفراد، وساعد ذلك على ارتفاع مستوى الاستهلاك الخاص والاستثمار الخاص لا سيما في قطاع العقارات، غير أن هذا النظام انعكس سلبيا على الشركات، التي اضطر بعضها إلى إيقاف نشاطاتها بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج سواء بسبب ارتفاع أسعار الطاقة أو بسبب زيادة الأجور.
واستمر الانتعاش القوي في سوق العمل في كافة القطاعات تقريبا باستثناء بعض النشاطات في القطاع الزراعي، وبلغ عدد الوظائف الصافية التي تم استحداثها 101000 عام 2022، ويمثل هذا أكبر زيادة منذ عام 1953. كما تضاءل اللجوء إلى البطالة المؤقتة، التي بلغت ذروتها خلال أزمة كورونا، وعادت إلى مستواها الطبيعي تدريجياً خلال عام 2022. غير أن أزمة الطاقة أدت إلى اللجوء إليها مجددا لكن بشكل أقل نسبيا.
لقد ازداد معدل توظيف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و64 عامًا من 70.6% عام 2021 إلى 72% عام 2022، وقد تباطأ نمو هذا المعدل مقارنة بالسنة الماضية بسبب التدفق الكبير للاجئين الأوكرانيين، مما أدى إلى زيادة واضحة في عدد سكان بلجيكيا في سن العمل.
بينما بلغ معدل البطالة 5.7%، بعد أن بلغ ذروته عند 6.3% أثناء الوباء. واستمر عدد العاطلين عن العمل في التراجع عام 2022 مثلما حدث عام 2021 بسبب التعافي بعد الجائحة، غير أن انتعاش سوق العمل تباطأ أيضا في النصف الثاني من السنة، وفقدت سوق العمل بعض ديناميكيتها.
وبالرغم من البطالة إلا أن الشركات تواجه بعض الصعوبات في العثور على عاملين في بعض المهن خاصة في بعض المجالات كالاتصالات والفنادق والمطاعم.
وفيما يتعلق بالمالية العامة تحسن التوازن المالي في الموازنة العامة بشكل ملحوظ بعد التخفيف من أزمة كورونا، لكن اشتداد أزمة الطاقة وضع المالية العامة تحت الضغط مرة أخرى.
واستمر عجز الميزانية عام 2022 في التراجع إلى 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك فقد ظل متوترًا بشدة بسبب التدابير الجديدة التي اعتمدتها السلطات لمواجهة أزمة الطاقة والأزمة الأوكرانية. وانخفضت نسبة الدين السيادي في بلجيكا بمقدار 4.2 نقطة مئوية، وبلغت نسبته 105% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من أعلى النسب في منطقة اليورو. ومن المفترض ألا يدوم الانخفاض في نسبة الدين بسبب توقع استمرار تحقيق عجز كبير في الموازنة على مدى السنوات القليلة المقبلة لأن هدف السياسة المالية عام 2022 كان دعم القوة الشرائية لأفراد بشكل سريع.
ومن جهة أخرى، دعمت خطط الإنعاش المختلفة استثمار الشركات، لكن الشكوك والارتفاع الحاد في أسعار الفائدة طويلة الأجل كبحت هذا الاستثمار، وبالنتيجة تراجع حجم استثمارات الشركات خلال عام 2022 بنسبة 1.9%.
2023 توقعات مقلقة
لم تنته تداعيات الأزمتين اللتين مرت بهما البلاد - أي أزمة جائحة كورونا وأزمة الطاقة - والتي أدت إلى حد كبير إلى إيقاف الإصلاحات الهيكلية اللازمة، في حين أن التحديات الرئيسية التي تواجهها بلجيكا لم تتغير، ومنها خطر تراجع القدرة التنافسية للاقتصاد، والإصلاحات في سوق العمل بهدف زيادة التوظيف، وتخفيض العجز الكبير في الموازنة العامة، وإصلاحات نظام التقاعد المكلف. لكن تراجع أسعار الغاز والكهرباء إلى مستوى ما قبل الأزمة في أوكرانيا قد ينعش النشاطات الاقتصادية بسرعة هذه السنة شرط ألا ترتفع أسعار الطاقة مجدداً.
وللتخفيف من العبء على المالية العامة، يرى المحللون أنه يجب أن تستهدف الإجراءات الفئات الأكثر ضعفاً قدر الإمكان وأن يتم تمويلها من الأرباح التي حققتها الشركات التي استفادت من ارتفاع أسعار الطاقة. وأنه لا بد من القيام بإصلاحات هيكلية في المالية العامة البلجيكية نظرًا لارتفاع العجز والدين العام.
ومن المنتظر أن يرتفع معدل النمو في بلجيكا تدريجيا عام 2023 بفضل تباطؤ التضخم والأداء الجيد لسوق العمل. كما ستقود الزيادة الآلية للرواتب إلى ارتفاع ملموس في القوة الشرائية، مما يعزز دور الاستهلاك الخاص كمحرك رئيسي للنمو. غير أن نمو الناتج المحلي الإجمالي البلجيكي سيبقى متواضعًا حيث ينخفض من 3.1% عام 2022 إلى 1.0% عام 2023.
وسيتراجع التضخم من 9.6% عام 2022 إلى 4.4% عام 2023، كما من المتوقع استحداث 38000 وظيفة جديدة عام 2023. كما سيرتفع معدل البطالة مرة أخرى في بلجيكا من 5.7% عام 2022 إلى6.2% عام 2023. ومن المفترض أن يزداد معدل التوظيف بشكل طفيف هذا العام ويبلغ 72.3%.
من المتوقع أن يتباطأ نمو أسواق التصدير البلجيكية عام 2023 لتبلغ نسبته 3.4% مقابل 7.9% عام 2022.
التجارة الخارجية البلجيكية 2022
بلغت قيمة الصادرات البلجيكية الإجمالية 604 مليار يورو، بزيادة نسبتها 30.1% مقارنة بعام 2021، واحتلت المنتجات الكيمياوية المرتبة الأولى بين الصادرات البلجيكية بنسبة 27.7%، في حين احتلت المنتجات المعدنية المرتبة الثانية بنسبة 18.3%، ومعدات النقل المرتبة الثالثة بنسبة 8.6%.
ومن جهة أخرى، بلغت قيمة واردات بلجيكا الإجمالية 592 مليار يورو بزيادة نسبتها 32.4% مقارنة بالعام السابق. واحتلت المنتجات الكيمياوية المرتبة الأولى بين الواردات البلجيكية الإجمالية بنسبة 24.5%، في حين احتلت المنتجات المعدنية المرتبة الثانية بنسبة 23.2%، والآلات والمعدات المرتبة الثالثة بنسبة 10.8%.
المبادلات التجارية مع العالم العربي
في عام 2022 بلغت قيمة الصادرات البلجيكية إلى العالم العربي 15.9 مليار يورو، بزيادة ملحوظة بلغت نسبتها 19.2% مقارنة بعام 2021، واحتلت المنتجات الكيمياوية المرتبة الأولى بين الصادرات البلجيكية إلى العالم العربي بنسبة 27.1%، تلتها في المرتبة الثانية الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة بنسبة 18.3%، ثم المنتجات المعدنية التي احتلت المرتبة الثالثة بنسبة 10.9.
وجاءت الإمارات العربية المتحدة في مقدمة المستوردين العرب من بلجيكا بنسبة 28.5%، تلتها المملكة العربية السعودية ومصر بنسبة 16.8% و10.9% على التوالي.
في حين بلغت قيمة الواردات البلجيكية من العالم العربي 16.3 مليار يورو بزيادة كبيرة نسبتها 89% مقارنة بالعام السابق. واحتلت المنتجات المعدنية المرتبة الأولى بين الواردات البلجيكية من العالم العربي بنسبة 54.4%، بينما احتلت المنتجات الكيمياوية المرتبة الثانية بنسبة 15.9%، الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة المرتبة الثالثة بنسبة 10.9%.
وجاءت قطر في مقدمة المصدرين العرب إلى بلجيكا بنسبة 39%، تلتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بنسبة 20.7% و13.6% على التوالي.
يبين الجدولان التاليان إحصائيات المبادلات التجارية بين بلجيكا والعالم العربي.